المقالات

الانتخابات الإسرائيلية

7/8/1984- الفجر

إن القول بأن لا شأن لنا نحن أهل الأرض المحتلة والفلسطينيين عموماً بالانتخابات الإسرائيلية وأن كل الأمور داخل الخريطة السياسية الإسرائيلية هي سواء لنا ولا تمسنا من قريب أو من بعيد – إن مثل هذا القول يعكس سذاجة فكرية ليس من الصعوبة بمكان تفنيدها، بل إننا ومن موقعنا كطرف في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي نتحمل مسؤولية تشريح كل ما يجري داخل المجتمع الإسرائيلي كشرط ضروري ومسبق لمحاولة التأثير فيه ومعالجة طرق التأثر منه.

ومن هنا فلقد كان من المطلوب محلياً أن نجري تحليلات متزنة لنتائج ومجريات الانتخابات بتفاصيلها، بدلاً من التظاهر في البداية بعدم الاهتمام بها، أو من مجرد – التشفي – ثانياً بنتائجها كما فعلت بعض الصحف في معرض انتقادها لليمين الفلسطيني الذي ادعت أنه كان يعول على نتائجها، وبدلاً أيضاً ومن ناحية ثالثة من المرور عليها مر الكرام قائلين بأنها تعكس ميلاُ في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين والتطرف.

بل لقد كان من المطلوب تحليل مجموعة المظاهر التي اتصفت بها الانتخابات بمجرياتها وبنتائجها، أكان ذلك على صعيد الحملة الانتخابية نفسها أو على صعيد نتائجها في القطاعات المختلفة عند الجنود في لبنان وفي الضفة والقطاع، أو عند الوسط العربي، أو عند الكيبوتزات داخل الضفة وخارجها، أو عند الأجيال المختلفة والمدن والمناطق المختلفة والاشكناز واليهود الشرقيين، إلخ وذلك حتى نستطيع فعلاً أن نكون صورة ناضجة عن التفاعلات داخل المجتمع الإسرائيلي كشرط مسبق للتعامل معه بوعي كما يفرض ذلك علينا واقع الصراع بيننا وبينه.

ومن هنا فإنني كقارئ عادي أود أن أبدي بعض الملاحظات الأولية والمقتضبة عن الانتخابات آملاً بأن تؤخذ هذه الملاحظات أو غيرها كنقاط انطلاق للدراسة الجدية والمستفيضة من قبل المختصين، علّه يحظى القارئ منا بالاستفادة منها حين إتمامها ونشرها.

أولاً: بالرغم من صحة القول أن توقعات المراقبين بأن المعراخ سوف يحقق نجاحاً ساحقاً في هذه الانتخابات لم تتحقق، إلاّ أنه لا يجب الاستدلال من ذلك أن تلك التوقعات كانت مخطئة كلياً وأن عكس تلك التوقعات قد تحقق. بل إن تجاهلنا الزيادة في عدد الناخبين منذ عام 1981، فإننا نلاحظ أن نسبة الخسارة في مقاعد الكنيست عند الليكود – سبعة مقاعد من 48 إلى 41، أو ما يعادل 100,000 صوت – كانت أعلى منها عند المعراخ – ثلاثة مقاعد من 47 إلى 44 – أي أن كلا الحزبين الكبيرين قد مني بخسارة مع الفارق بأن خسارة الليكود كانت أضخم.

ثانياً: يجب تقييم ما جاء في الفقرة السابقة عن خسارة الليكود آخذاً بعين الاعتبار مجموعة عوامل أولها أن الخسارة لم تكن مع ذلك بنفس ذلك الحجم الذي تخوف منه بعض أعضاء الحزب بعد حرب لبنان ولجنة كارب وتردي الوضع الاقتصادي وخاصة أيضاً بعد خروج بيغن عن المسرح السياسي، بل لقد أثبتت الانتخابات الأخيرة أن الليكود ليس هو بيغن، بل يوجد ديناميكية اجتماعية خاصة بالليكود ودعم له أخذ بالتنامي داخل المجتمع الإسرائيلي ويبدو هذا الأمر واضحاً إن نحن نظرنا ما وراء الانتكاسة المرحلية التي مني بها في هذه الانتخابات.

ثالثاً: إن الذي يدعم القول أن انتكاسة الليكود كانت مرحلية هو مجموعة أمور منها نوعية الناخب الإٍسرائيلي الذي يدعم هذا الحزب، حيث أننا نجد أن المجموعتين السكانيتين الآخذتان بالنمو وهما مجموعة اليهود الشرقيين ومجموعة الأجيال الشابة هما المجموعتان الأساسيتان اللتان يرتكز إليهما الليكود وذلك مقابل اليهود الغربيين، ويشير هذا الأمر إلى الاحتمال المتزايد ضمن الظروف الراهنة بأن المستقبل الإسرائيلي هو مستقبل يميني.

رابعاً: من المفيد في هذا المضمار الوقوف ملياً عند المغالطة المنتشرة عند القارئ العربي والتي مفادها أن اليهود الشرقيين أكثر تفهماً للمعاناة الفلسطينية وأكثر استعداداً للوقوف بجانب تسوية عادلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من اليهود الغربيين فإن التقديرات تدل على تدني نسبة أصوات اليهود الشرقيين الذين يصوتون للمعراخ من 6.24% عام 77 إلى 5.21 بالمائة عام 1984، هذا في الوقت الذي حافظ فيه الليكود استقطاب أكثر من 50 بالمائة من هذه الأصوات خلال الأعوام 77 إلى 84. وبالمقابل فإننا نجد أن نسبة الأصوات عند اليهود الغربيين بجانب الليكود والقوائم القريبة له لم تزد عن حوالي 25 بالمائة بينما قاربت 60 بالمائة للمعراخ والقوائم القريبة منه وبالطبع فإن هنالك مجموعة تفسيرات لهذا الوضع، إلاّ أن هذه التفسيرات لا تغير من الصورة القائلة بأن اليهودي الشرقي يصوب لجانب طرف سياسي يتخذ موقفاً سياسياً صدامياً واضحاً تجاه الشعب الفلسطيني.

خامساً: أما إن نظرنا للصورة الآنية فإننا نجد أن الأصوات التي تسربت من الحزبين الكبيرين لم تتجه بالأغلب نحو اليمين، أما بالنسبة للمقاعد الدينية فلقد بقيت على ما هي عليه عددياً مع التغيير الداخلي في طبيعتها حيث برزت – شاص- كحركة دينية شرقية برئيسها المولود في الدار البيضاء يتسحاق بيريتز كبديل لحركة المتدينين التي يديرها اليهود الغربيون – أغودات يسرائيل – وأما بالنسبة لظهور كهانا على مسرح الكنيست فإننا يجب أن نذكر أنه وبالرغم من أن عدد المؤيدين لحركته قد تضاعف منذ العام 81، إلاّ أننا لا زلنا نتكلم عن زيادة مطلقة تعدادها 15,000 صوت، من 11,000 صوت في عام 81 إلى 26,000 صوت في هذه الانتخابات.

وبالمقابل فإننا نجد ميلاً أوضح تجاه اليسار، ولقد تمثل هذا الميل أولاَ بتمسك الحركة الديمقراطية بمقاعدها الأربعة وثانياً بنجاح الحركة التقدمية بمقعدين وثالثاً بزيادة المقاعد لحركة شينوي – من 2 إلى 3 – ورابعاً بزيادة المقاعد لحركة حقوق المواطن – من 1 إلى 3- وبمعنى آخر فإن الصورة الإجمالية للانتخابات كانت لصالح الوسط – اليسار منها لصالح اليمين.

سادساً: بالإضافة إلى ظهور كهانا على خريطة الكنيست فلقد حظت الحركة اليمينية المتطرفة – هتحياة – بمقعد إضافي تسرب لها على ما يبدو من الليكود، ولقد لفت ذلك الأنظار في حينه لإلقاء الضوء على الصناديق العسكرية وخاصة في لبنان وبشكل عام فلقد تبين أن 60 بالمائة من الأصوات العسكرية في لبنان دعمت اليمين الإسرائيلي – ليكود – هتحياة – كاخ – بينما انعكس الوضع في الصناديق العسكرية داخل الخط الأخضر وفي الضفة والقطاع، حيث تبين من تلك الصناديق أن 60 بالمائة دعم موقف الوسط واليسار.

سابعاً: أشير أخيراً إلى الوسط العربي، حيث أن احتفاظ الحركة الديمقراطية بمقاعدها الأربعة يعكس واقع الأمر تراجعاً نسبياً آخذاً بعين الاعتبار زيادة عدد الناخبين العرب بنسبة تفوق ال 4 بالمائة عن النسبة التي شاركت بالانتخابات عام 81. وبينما حظت الحركة الديمقراطية بنسبة 37 بالمائة من الأصوات العربية في عام 81 فلقد حظت بنسبة 35 بالمائة من هذه الأصوات في هذه الانتخابات مسجلة بذلك تراجعاً نسبياً مقداره 2 بالمائة ومع أن هذا التراجع الضئيل يبرر إلى حد ما مخاوف الحركة الديمقراطية من تنافس الحركة التقدمية على نفس الأصوات، إلاّ أننا يجب أن نذكر أن النسبة التي حظت بها الحركة التقدمية من الأصوات العربية كانت 18 بالمائة حسب التقديرات مقابل التراجع المقدر ب 2 بالمائة الذي سجلته الحركة الديمقراطية مما يدلل على أن الحركة التقدمية استطاعت أن تستقطب أصواتاً من خارج المظلة الواسعة للحركة الديمقراطية – آخذاً بعين الاعتبار التراجع المقدر ب 2 بالمائة إضافة للزيادة في عدد الناخبين والمقدرة ب 4 بالمائة مقابل ال 18 بالمائة التي حظت بها الحركة التقدمية.

ثامناً: من الواضح أنه وبالرغم من العديد من الأبعاد القائمة لنتائج الانتخابات إلاّ أنه ما زال هنالك قطاع واسع من الشعب الإسرائيلي – قد يفوق ال 50 بالمائة- الذي بين من خلال الانتخابات الأخيرة استعداده لتسوية ما ولتنازل ما للطرف العربي، مع وجود قاسم مشترك هو الاستعداد للتنازل الاقليمي وتفاوت في المواقف حول نوعية وكمية هذا التنازل.

أما أخيراً فإنني لا أريد أن أستنبط العبر من هذه الملاحظات في هذه المرحلة اللهم إلاّ التنويه بأن للرأي العام الإسرائيلي تأثيراً كبيراً كما يبدو في تحديد معالم المسيرة السياسية الإسرائيلية، بحيث يتحتم علينا إن أردنا التأثير في تلك المسيرة أن ندرس المسالك المختلفة للتأثير على الرأي العام.