المقالات

تحرير الضفة والقطاع


جريدة القدس - 30/7/1986

كيف يمكن لي أو لغيري من الفلسطينيين أن يكونوا ضد مشروع “ تحرير الضفة والقطاع "؟ لكن، تحرير الضفة والقطاع، بالمعنى الحقيقي وليس المزيف للمصطلح، يعني برأيي، أهم ما يعنيه، أن يحقق الشعب حريته واستقلاله، وان يستطيع بالتالي أن يقرر مصيره بنفسه، وان يمارس سيادته، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إقامة دولته المستقلة بقيادة ممثله الشرعي، وهذا الأمر الأخير لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مؤتمر دولي يفرض فيه الاتحاد السوفيتي حضوره، جنباً إلى جنب مع منظمة التحرير، أمام التحالف الأميركي / الإسرائيلي

.

"تحرير الضفة والقطاع “، لا يمكن أن يعني تقاسماً وظيفياً بين الأردن وإسرائيل، ولا يمكن أن يعني، حكماً ذاتياً" للفلسطينيين، سواء أكان هذا الحكم الذاتي بالارتباط مع إسرائيل، كما يريد له "الليكود" أن يكون، أو كان بالارتباط مع الأردن تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الأميركية، كما يريد له " العمل " أن يكون. ولا يمكن أن يصبح هذا الحكم الذاتي الأخير مقبولاً أو محموداً من خلال “ تجميله “، والتكلم عنه كـــ"وطن قومي للفلسطينيين بالاتحاد مع الأردن"، وهو المصطلح الذي استعمله جيمي كارتر، عراب اتفاقية "كامب ديفيد"، في معرض تحديده للرؤية الاميركيه "المثالية" لتسوية النزاع. فالفرق هائل بين الاستقلال السيادي، و " الوطن القومي المتحد مع الأردن: الاتحاد الكونفدرالي مقبول فلسطينيا فقط كتعبير عن حق تقرير المصير، وكخطوة تتبع الاستقلال الكامل، ولكن ليس كشرط مسبق" لتحرير " الأرض، وإلا فأي تحرير هذا الذي يكون مشروطا بشروط أمريكية إسرائيلية؟ والاتحاد المذكور مقبول كونفدراليا وليس فدراليا، وذلك حسب مقررات المجلس الوطني ألـ 16 بهذا الشأن، الذي حدد التصور الفلسطيني لنوعية العلاقات المستقبلية بين الدولة الفلسطينية والأردن.

وفي جميع الأحوال فان الفرق هائل أيضا، برأيي، بين الدولة الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني لكامل الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي يشكل الحق الفلسطيني الأساسي، وبين الدولة المستقلة في الضفة والقطاع، والفرق هائل بين التعامل مع القضية وكأنها قضية شعب بأكمله، والتعامل معها كأنها قضية ذلك الجزء منه الذي يعاني من الاحتلال منذ الـ 67. ونحن إن أبدينا استعداداً فلسطينياً للقبول بالدولة المستقلة، فلا يعني ذلك بأننا سوف نقبل بان يستعمل هذا الاستعداد من اجل مسخ القضية كلياً تحت شعارات مثل “ تحرير الأرض "، والتي لا تخبئ وراءها إلا مزيداً من محاولات مصادرة السيادة الفلسطينية، نعم، أنا مع تحرير الضفة والقطاع إن كان هذا يعني أن يمارس الشعب الفلسطيني سيادته في دولته بقيادة ممثله وبرئاسة رمزه النضالي التاريخي السيد ياسر عرفات. ولكنني ضد كافة محاولات التزييف التي تستغل معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال من خلال تفعيل " الدمى" الأميركية الناطقة التي تنادي بتحسين ظروف المعيشة وبضرورة التوصل إلى حل مهما كان الثمن، ومهما كان نوعه.

ثم إنني وإذ انطلق مما سبق فإنني أتوجه للإسرائيليين وأقول لهم إن ثمة خيارين أمامكم إن كنا وإياكم نريد تسوية متكافئة للنزاع بيننا. فأما أن تقبلوا ألان بحقنا السيادي كشعب يسعى لإقامة دولته المستقلة ( أي إما أن تقبلوا أن تقتسم الأرض فيما بيننا)، وإلا فسوف تضطرون للتخلي عن حلم الدولة اليهودية، بل وعن حلم الدولة الديمقراطية على المدى القصير ( أي حين نبدأ بالمطالبة باقتسام الحقوق السياسية فيما بيننا).

وأنا إذ أقول ذلك للإسرائيليين، فليس ذلك جهلاً مني بطبيعته "الكابوسية" لهم بل وعياً مني لهذه الحقيقة ولأنني أريدهم أن يروا كابوسهم وقد اخذ يتجسد على ارض الواقع، فيعون لضرورة الاعتراف بي كشعب غير مستعد للتنازل عن سيادته مهما كانت الظروف، أكان سوف يفرض ممارسته لهذه السيادة في دولة بجانبهم، أو كان سوف يفرضها في كافة أرجاء فلسطين ومن خلال أجهزة دولتهم نفسها إن اضطر الأمر.

وثمة سؤال أخير" أود توجيهه في هذا المضمار للذي يتساءل. هل سوف ترضى إسرائيل بذلك؟ هل سوف ترضى إسرائيل بشيء أصلا من تلقاء نفسها يتوافق والحدود الدنيا لحقوقنا الوطنية المشروعة؟

سري نسيبة