المقالات

حَجَر أسَاس الدّولة

جريدة القدس - 8/7/1987

 

كيف ستقوم الدولة المستقبلية ؟

بالتأكيد إنها لن تقوم لوحدها. لن نفيق ذات يوم لنرى ان المناطق المحتلة قد تحولت فجأة إلى دولة ذات سيادة، بكافة هيئاتها وأجهزتها ومؤسساتها

.

وبالتأكيد أيضا، فإن الدول العربية لن تخوض حرباً ضد إسرائيل في المستقبل المنظور، أو قل إنها لن تخوض حرباً سوف تتمكن بها أن ترغم إسرائيل على الفرار إلى حدود" الـ67 "، لكي تأتي بالدولة لنا بعد ذلك على طبق من فضة.

وبالتأكيد أيضا، المجموعة الدولية لن تفرض موقفاً على إسرائيل بالقوة، ولن ترسل إلينا الدولة عبر البريد المسجل. لن يحصل أي شيء من هذا ما لم نباشر نحن في العمل الجدّي المبرمج من أجل إقامة هذه الدولة، بكلمات أخرى، تقوم الدولة إن باشرنا نحن بوضع حجر الأساس لها.

ولكن, ما هو حجر الأساس هذا؟

اعتقد أن حجر الأساس هذا يتكون من عنصرين. العنصر الأول هو إرساء القواعد المؤسساتية لهذه الدولة. والقواعد المؤسساتية التي اعني هي مجالس التخطيط العلمية العامة، التي تضم المختصين وتضع خطط التطوير الشمولية، بشكل يأخذ بعين الاعتبار الأرض المحتلة كوحدة واحدة.

والقواعد المؤسساتية هي أيضا البرامج التي توضح أشكال المعاملات والعلاقات المستقبلية على

المستويات الاقتصادية والتجارية المختلفة، بما فيها تلك المعاملات والعلاقات التي يجب نسجها داخل إطار الدولة، والتي يجب نسجها أيضا مع الدول المجاورة.

ثم فالقواعد المؤسساتية التي اعني، هي أيضا إطار الدولة السياسي، أي دستورها، الذي يحدد العلاقات بين أعضائها وأجهزتها، والذي يحدد حقوق الأفراد وواجباتهم.

هذا، إذن، هو العنصر الأول، ولن تقوم الدولة التي نريد إن لم نأخذ هذه الأمور مأخذ الجد، وباشرنا العمل على وضعها، بما في ذلك وضع صياغة لدستورنا المستقبلي.

أما العنصر الثاني، فهو المخاض الذي يستكمل إرساء بنية الاستقلال، وهو ذلك العمل الذي يجب القيام به من أجل الانتقال إلى ذلك الحيز السياسي الحر الواجب وجوده من أجل تمكين هذه البنية من النمو المستقل كوحدة واحدة ذات هوية متميزة.

لا أقول أن علينا حينئذ أن نحمل السلاح، ولكن أقول إن علينا، مرة أخرى، أن نحمل الموضوع محمل الجدّ، وهنالك أمور لا تعد ولا تحصى يمكننا القيام بها بشكل جماعي، ويمكننا أيضا من خلال القيام بها، أن نقوم بدورنا في عملية قطع أواصر الصلة بشكل قصري مع سلطة الاحتلال، فالعلاقة مع سلطة الاحتلال هي علاقة دفع الضرائب وهي علاقة التعامل بالرخص والترخيص والاذونات، وهي علاقة حمل ألهويات وتسجيل المواليد، وهي علاقة العمل داخل إسرائيل والتعامل مع بضائعها.

ولن تندثر أو تتلاشى هذه العلاقة ما لم نقم نحن جماعياً ذات يوم بوضع حدًّ لها.

لا أقول إن هذين العنصرين يشكلان عصا سحرية سوف تكفي لوحدها لإقامة الدولة.

لكنني أقول إن الدولة لن تقوم بدونهما.