صحيفة القدس - 28/10/1987
كان محدثي هنغاريا – يهودي الأصل – عمل في شبابه في صفوف الحزب الشيوعي، ثم تمرد عليه، ولجأ إلى ربوع باريس الفكرية، جامعاتها ومقاهيها، حيث مارس النقد والكتابة عن
السياسة السوفياتية، فنشر العديد من الكتب والدراسات، حتى أصبح عميداً ومرجعاً في فلك الغرب بالشؤون السوفياتية.
وبالرغم من تقدمه في العمر، لمست فيه شعلة الحماس الباريسي، والتفاؤل بخصوص عقد المؤتمر الدولي، أو شبه الدولي، للسلام. وأشار لي لخصوصيات غورباتشوف في الحكم، قائلاً بأنه، أي غورباتشوف، بحاجة ماسة لتحقيق نصر دبلوماسي في مجال السياسة الخارجية، الأمر الذي يفسر "الانفتاح" الذي تشهده إسرائيل إزاء علاقاتها مع دول المنظومة الاشتراكية.
تلخصت إجابتي بالقول أنه حتى فيما لو افترضنا صدق المقولة أن غورباتشوف من جهة، وريغان من جهة ثانية، كلاهما بحاجة لتحقيق نقلة نوعية في مجال السياسة الخارجية، فليس الشرق الأوسط هو المكان الأفضل بالنسبة لهذه التجربة، آخذاً بعين الاعتبار خبرة أميركا المريرة في اتفاق لبنان من جهة، وحساسية المصداقية السوفياتية في العالم الثالث من جهة ثانية، والتي تتطلب ثباتاً في موقفها إزاء الحقوق الفلسطينية. فالخبرة الأميركية ومصداقية الموقف السوفياتي، لا تشجعان على خوض عملية دبلوماسية تتطلب منهما درجة عالية من المجازفة في الشرق الأوسط، والمجازفة واضحة آخذاً بعين الاعتبار عمق الهوة بين طرفي النزاع المباشرين أي إسرائيل والعالم العربي. وطرفا النزاع، على ما يبدو، وحسب الدلائل المتوفرة، عاجزان حتى الآن عن جسر الهوة والتمهيد للعملية الدبلوماسية المرتقبة من خلال الاتصالات المباشرة أو غير المباشرة بينهما.
نظر إليّ مبتسماً وقال: "إن تشاؤمك هذا يذكرني بطرفة تناقلها الشيكوسلوفاكيون إثر "الاجتياح" السوفياتي لبلادهم عام 1968 هي عبارة عن حوار جرى بين بعض المفكرين منهم حول أوضاعهم الصعبة. قال أحدهم: "هل تعرفون أن هنالك طريقين فقط للتخلص من الاحتلال السوفياتي؟ أما الحل الأول فهو الحل الطبيعي، وأما الآخر فهو الحل الغيبي/الديني".
أجابه أحدهم: "وكيف تصف هذين الحلين الممكنين؟. قال الأول: "أما الحل الطبيعي، فهو أن يقوم الله سبحانه وتعالى بإرسال أحد ملائكته إلى الجنود السوفيات، فيعمل على إزاحتهم من مكانهم بالقوة". فسأله الثاني مندهشاً: "إذا كان هذا برأيك هو الحل الطبيعي لإنهاء الاحتلال، فما هو يا ترى الحل الغيبي/الديني في نظرك؟". أجاب الأول: "أن تحصل معجزة فينسحب الجيش السوفياتي من تلقاء نفسه!!".
قبل أن تنتهي دردشتنا في ردهة الفندق، وبينما نحن في طريقنا للعودة، كل إلى مأواه، التفت إليّ ضاحكاً وقلت: "الفرق بيني وبينك هو أنك سوف تعود إلى باريس متفائلاَ بإمكانية عقد المؤتمر بالرغم من عدم إيمانك بالمعجزات، أما أنا فسوف أبقى هنا متشائماً بانتظار المعجزة التي أؤمن بالرغم من تشاؤمي بأنها ستحدث!!".