Books FullText

ما الذي يجري؟، ملتقى فلسطين

سري نسيبة – خاص ملتقى فلسطين

باختصار، أعتقد أن الذي يجري في ساحتنا موضوعيا هو التمهيد لاستكمال مفاوضات أوسلو (تحت هذا المسمى أو أي مسمى أخر) التي توقفت رسميا أو علنيا في وقت ما في الماضي من المستحيل تحديده بدقة دون معلومات استخبارية.

الدفع باتجاه استكمال العملية التفاوضية التاريخية (مدريد فواشنطن وثم أوسلو) جاء بدءا مع ترامب عندما أعلن أنه سيقوم بعمل ما لم يتم عمله من قبل، و هو نزع القدس و اللاجئين (أهم موضوعين من موضوعات القضايا المؤجلة) من عملية المفاوضات، و تسهيل استكمال عملية السلام في المنطقة. لحق ذلك خطته التي فرض من خلالها على الفلسطينيين بقبول خطة نتانياهو الحاق ٣٠٪ من ما تبقى من الضفة (أي بعد وضع القدس بمساحتها الموسعة جانبا) مقابل حصولهم على دويلة لهم غريبة التقاطيع ان أرادوا (أي الحدود، و هو الموضوع الثالث من القضايا المؤجلة). فإن رفضوا يحصل نتانياهو على ما يريد وعلى الفلسطينيين تحمل العواقب.

لم يرق للفلسطينيين (والعرب) ذلك فاحتجوا ولقوا دعما دوليا (واسرائيليا محدودا) لموقفهم بينما بدأ نتانياهو يسرع بترتيب الأوراق للضم دون مفاوضات قبيل الانتخابات الأمريكية الرئاسية. يضع ذلك كافة الأطراف الدولية الرافضة لخطة ترامب وأيدت القيادة الفلسطينية في موقفها في موقع يؤهلها الأن وسوف يدفعها للضغط في الاتجاه المعاكس: أي لحمل القيادة الفلسطينية على العودة للمفاوضات من أجل نزع الفتيل وذلك ضمن معادلة أكثر قربا لما يعتبر حلا وسطا أو معقولا لدولتين. أعلن محمد أشتية بشكل واضح (في مقابلته مع مؤسسة كارنيغي قبل أيام) أن العودة لل “ستاتس كوو” أي الحال الجامد الذي كان موجودا في السابق ليس خيارا سليما للفلسطينيين (حيث أنه يسمح لإسرائيل المضي قدما في استملاكها الزاحف للأرض)، ما يجعلهم يفضلون استئناف المفاوضات بإشراف متعدد الأطراف، أما وفق قرارات الشرعية الدولية أو على أساس قيام إسرائيل بتنفيذ ما قامت في المفاوضات السابقة بالالتزام بتنفيذه.

في لغة الدبلوماسية، يفهم من الكلام أن القيادة الفلسطينية مستعدة لاستكمال المفاوضات على أسس جديدة، و هي مستعدة بالتالي للتعاطي إيجابيا مع محاولات الأطراف الدولية التي وقفت معها ضد الضم لإيجاد صيغة مقبولة لعمل ذلك.

في الأثناء أعلن قياديون مختلفون (و منهم اشتية نفسه) عن خطوات رادعة للضم أحادي الجانب، تراوحت بين سحب الاعتراف بإسرائيل الى الإعلان عن دولة، ومن المقاومة الشعبية السلمية الى المقاومة المسلحة، و أتى المؤتمر الصحفي الذي جمع الرجوب بالعاروري و البيان الموحد باسم القوى الوطنية و الإسلامية ليجسد التوأمة المحتملة لهذين الاسلوبين في المقاومة. في الأثناء أيضا برزت الأفكار التي تدعو المنظمة الى العودة عن أوسلو والى إعادة ترسيم جديد لمشروع وطني شامل.

لا أدري ان كانت أية من هذه الأفكار والتصريحات سوف تجد طريقا للتجسد على أرض الواقع لكن المأزق الفلسطيني باختصار يكمن في العجز على مواجهة الند بالند، أي على تحقيق إنجازات استراتيجية لنفسه على حساب الأخر. نحن نستطيع الرفض والمقاومة ولكننا لا نستطيع ضمن المعطيات إعادة لاجئ واحد الى دياره الأصلية.

في المقابل، تهدم إسرائيل البيوت، وتقتلع الأشجار، وتصادر الأرض، وتبني المستعمرات، وتتحكم في المصادر الطبيعية وفي الأجواء، وكل ذلك على حسابنا نحن، وأن أيضا مقابل تردي صورتها دوليا كدولة عنصرية لا تأبه للتشريعات الدولية. على المدى الطويل، قد يعزز هذا من تحويل طبيعة الصراع (التقسيم) الى صراع حول المساواة في النظام الواحد. لكن لو عدنا للمطروح أمامنا الآن (عودة للمفاوضات أو تأزيم الوضع بشكل أو أخر) فباعتقادي اننا سوف نتفاجأ ان نحن لم نأخذ سيناريو المفاوضات مأخذ الجد: العالم الذي وقف في وجه نتانياهو سوف يجد هنا فرصة مواتية للدفع باتجاه اقفال ملف الصراع نهائيا.

لا أعتقد أن ثمة أصدقاء بقوا لأوسلو وذلك على اعتبار أن أوسلو حرفت الطريق عن النضال القويم وأوصلتنا الى ما نحن فيه. وكذلك لن يكون هناك أصدقاء لاستكمال المفاوضات في المستقبل المنظور، والتي ان نجحت ستكون محصلتها دويلة تقع حدودها بين ما توصلت اليه المفاوضات سابقا وما يريده نتانياهو. لكن قد يكون من الاجحاف بحق أوسلو وبحق مفاوضات مستقبلية ان ألقينا العجز الفلسطيني على صناعهما! بمعنى أخر، ليس واضحا أن حال الفلسطينيين بدون أوسلو كان سوف يكون أفضل مما هو عليه الأن، أو سيكون أفضل من خلال تأزيم الأوضاع الأن من ما قد تقود اليه المفاوضات في المستقبل. فالعلة هي العجز (بمعنى عدم وجود القوة الكافية لإحداث انجاز استراتيجي على حساب الاخر)، مع التفاوض وبدونه.

قد يقال: من الأفضل في حالة العجز هذه أن تتنحى القيادة الرسمية وأبواقها الإعلامية والايديولوجية عن موقعها، فلا تقود الانتفاضات او المفاوضات، بل تترك الشعب بحاله، وتدعه في مواقعه المختلفة يتحكم بمصيره حسبما يجد ذلك مفيدا لصموده. على الأقل، مهما يحدث، لن يكون مقابل معاهدة رسمية تلزمه بشرعنة الغبن الذي لحق ويلحق به. لكنني لا أعرف قيادة مستعدة للتخلي عن موقعها من أجل شعبها! لذلك، أتوقع العودة الى المفاوضات بعد زوبعة او اثنتين.