حرية الرأي - النقاط على الحروف

جريدة القدس- 19/12/1978

بقلم الدكتور سري نسيبه

الدكتور موسى البديري

نريد ان نؤكد قبل كل شي ان قضيتنا ليست قضية الدفاع عن معتقدات معينه او مهاجمتها او الدفاع عن اسلوب معين في التكلم او مهاجمته، بل هي قضية الدفاع عن مبدأ حرية الافصاح عن الرأي، مهما كان مضمون ذلك الرأي، وبالتالي فهي قضية بناء المجتمع القائم على احترام العقل، لا على الكبت الفكري، وبالاخص ليس ذلك الكبت الذي تقمص شعار الدين، والذي يبعث الرعب في قلوب النفس، بدلا من ان يحاول اقناعهم عن طريق العقل والمنطق

دعونا نتصارح مع أنفسنا….ومع سؤال ما العمل؟

ـ الكيان السياسي (كالفرد) يسعى بطبعه الى البقاء. لذا يمكن فهم الحركة السياسية الي قام بها الرئيس محمود عباس مؤخرا (اجتماع الأمناء العامين) كتكتيك يضمن له وللقيادة هذا البقاء في وجه ما ظنه مؤامرة لاستبداله وطاقمه جراء خطة صفقة القرن، وخطة الضم، و”السلام” الإسرائيلي-الإماراتي.
ـ “الثمن” الذي اضطر أن يدفعه محمود عباس إزاء تلك الخطوات هو “تصليب” موقفه السياسي (من المفارقة بمكان أن شروطه للمفاوضات التي أعلن أنه لن يحيد عنها الآن هي نفسها التي كان قام هو نفسه بالحياد عنها في أوسلو؛ وقبوله في البيان الختامي الإشارة الى المقاومة “الشاملة” يشرعن المقاومة المسلحة التي طالما أعلن أنه لا يؤمن بجدارتها والتي إن تحقق منها شيء فلن يكون أفضل من إعادة نسخ غزة في الضفة!).
ـ بدفعه هذا الثمن يضع عباس نفسه في نفس ذلك الفخّ الذي توهمه بدءا، أي في دائرة الاستهداف أو الاستبدال، أكان من أطراف حوله أو من خارج أو من كليهما.
ـ سوف يقود هذا الوضع إما لـ “قيادة” تتعاطى مع المخطط الأمريكي، أو لفوضى سياسية، أو لتفجر انتفاضة مسلحة (في الضفة)، أو لكل هذه معاً.
ـ من الواضح أن أيا من هذه التبعات لن يقدّم في أيّ من “الحلول” التي يرتضيها هذا الطرف أو ذاك من الأطراف الفلسطينية، بل سوف يزيد من هذه الحلول تعقيداً (بعض الإسرائيليين بدأ بالتنظير بضرورة مواجهة “المقاومة المسلحة” بمقاومة مسلحة مضادة – لنا تخيّل ما قد يعنيه هذا).
ـ بالتالي، يتوجب على عباس إعادة حساباته (أكان ذلك لمصلحة شعبه أو مصلحته الخاصة). الطريق لذلك هو يتمثل بمراجعة العلاقات مع كل الدول العربية، بهدف استعادة الإجماع العربي، لإعادة ترسيم إطار ومضمون سلام بيننا وإسرائيل بشكل يتجاوز المخطط الأمريكي ويتناسب مع مفهوم القيادة الفلسطينية لحل وطني، وفقاً لما تعتقده هي.
ـ كما يجب عليه (وعلى القيادة معه) مصارحة الشعب بما هو مستعد فعلا للتعاطي معه في أية مفاوضات محتملة (الإشارة الى استعداده لتبادل “متر هنا ومتر هناك” هو استسخاف بعقول الناس المطلعين على ما استعد طاقمه التفاوضي تقديمه).
ـ كما عليه مواجهة واقع أن تعاقب الإدارات الأمريكية (والتي تعاقبت بالفعل من جمهوريين وديموقراطيين منذ مؤتمر مدريد) لن يغير من موقف أمريكا الكثير، وأن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يبيعنا كلاماً فقط.
ـ والآن نأتي لضرورة المصارحة مع أنفسنا: تناول زملاء كثر في الآونة الأخيرة سؤال “ما العمل؟”. لكن السؤال الأهم هو: “ماذا يتوجب علينا أن نريد؟”! يختلف هذا عن السؤال “ما الذي نريد؟” لأن جميعنا بشكل أو آخر نريد كامل حقوقنا الفردية والجمعية غير منقوصة. لكن تقع على عاتق قيادتنا تحديد مصلحتنا الوطنية في ظل المعطيات السياسية السائدة. لا تكمن مصلحتنا في البدائل سابقة الذكر (انتفاضة مسلحة، أو استبدال عباس، أو مفاوضات بقيادة ضعيفة). أيضا، التمسك ب “ما نريد” (القضاء على الكيان الصهيوني واستبداله بكيان فلسطيني جامع يتيح عودة فلسطينيي الشتات الى ديارهم الأصلية) ما يفتح إمكانات مستقبل غير محدود الزمن أو المآل أمامنا على مصراعيها. ثم لا ندري ما إذا كان طريق “السلام” أصلا لن يؤدي الى ما ترغب به النفوس على المدى الطويل. يفرض المنطق إذن أن تجد القيادة طريقا مناسبا لاستئناف المفاوضات على أسس صحيحة ولا تشكل غبنا بحقوقنا أو بروايتنا الوطنية.
ـ مع انعدام وجود ما جرت تسميته (حقا أم باطلا) “دول المواجهة” للارتكاز إليها والتحالف معها فالطريق المتبقي لإيجاد أفضل السبل لاستئناف هذه المفاوضات الآن، وأيضا من منظور الخيار الذي تنتهجه القيادة، هو استخدام “القوة الناعمة” التي أصبحت تحوزها بعض الدول، كالحصانة الأردنية للأقصى، والمصرية للحدود، والقطرية للاقتصاد الغزي، والإماراتية الآن لسوق العمل والاستثمارات، على سبيل المثال، وفقا للمعطيات المنظورة. يُلزمنا العقل هنا أن تلجأ القيادة الى هذه الدول (فرادى أو جماعات) للتعاون معها من أجل تحصيل أفضل الشروط للعودة الى المفاوضات.
ـ باختصار، رغبنا أم كرهنا، استمرار بقاء القيادة في هذه المرحلة وإخراج نفسها من الفخ الذي وضعت نفسها فيه ربما هو أكثر الخيارات الممكنة لنا كشعب. لكن عليها سريعا أن تعيد حساباتها وفق المصالح وليس وفق التمنيات. وعلى قيادة فتح تحديداً أن تعمل لإعادة بناء منظمة التحرير، على أسس وطنية وتمثيلية وديمقراطية، وأن تعيد بناء حركة فتح، بحيث تعود حركة وطنية تجمع كل تيارات الشعب الفلسطيني؛ ليس منطقياً أن يستمر هذا الانقسام الفلسطيني، ولا هذا التصدّع في كبرى الفصائل في وقت نحن أحوج ما تكون لاستعادة “فتح” كحركة وطنية تعددية وموحّدة، وكأكثر حركة سياسية تشبه شعبها.
ـ أخيراً، وبخصوص تعزيز الديمقراطية في صفوف الشعب الفلسطيني وتجاوز الانقسامات والخصخصة الفصائلية الخ. وإلى أن تتم الانتخابات للمنظمة والسلطة فإن أفضل السبل في هذه الظروف الطارئة هو أن تقوم القيادة بطرح ما تتوصل اليه في المفاوضات لاستفتاء عام يشمل كافة أبناء الشعب الفلسطيني. تكون القيادة عندئذ قد قامت بواجبها، ويتحمل الشعب بعد ذلك كامل مسؤوليته على ما قد يتبع.

سري نسيبة

ما الذي يجري؟، ملتقى فلسطين

سري نسيبة – خاص ملتقى فلسطين

باختصار، أعتقد أن الذي يجري في ساحتنا موضوعيا هو التمهيد لاستكمال مفاوضات أوسلو (تحت هذا المسمى أو أي مسمى أخر) التي توقفت رسميا أو علنيا في وقت ما في الماضي من المستحيل تحديده بدقة دون معلومات استخبارية.

الدفع باتجاه استكمال العملية التفاوضية التاريخية (مدريد فواشنطن وثم أوسلو) جاء بدءا مع ترامب عندما أعلن أنه سيقوم بعمل ما لم يتم عمله من قبل، و هو نزع القدس و اللاجئين (أهم موضوعين من موضوعات القضايا المؤجلة) من عملية المفاوضات، و تسهيل استكمال عملية السلام في المنطقة. لحق ذلك خطته التي فرض من خلالها على الفلسطينيين بقبول خطة نتانياهو الحاق ٣٠٪ من ما تبقى من الضفة (أي بعد وضع القدس بمساحتها الموسعة جانبا) مقابل حصولهم على دويلة لهم غريبة التقاطيع ان أرادوا (أي الحدود، و هو الموضوع الثالث من القضايا المؤجلة). فإن رفضوا يحصل نتانياهو على ما يريد وعلى الفلسطينيين تحمل العواقب.

لم يرق للفلسطينيين (والعرب) ذلك فاحتجوا ولقوا دعما دوليا (واسرائيليا محدودا) لموقفهم بينما بدأ نتانياهو يسرع بترتيب الأوراق للضم دون مفاوضات قبيل الانتخابات الأمريكية الرئاسية. يضع ذلك كافة الأطراف الدولية الرافضة لخطة ترامب وأيدت القيادة الفلسطينية في موقفها في موقع يؤهلها الأن وسوف يدفعها للضغط في الاتجاه المعاكس: أي لحمل القيادة الفلسطينية على العودة للمفاوضات من أجل نزع الفتيل وذلك ضمن معادلة أكثر قربا لما يعتبر حلا وسطا أو معقولا لدولتين. أعلن محمد أشتية بشكل واضح (في مقابلته مع مؤسسة كارنيغي قبل أيام) أن العودة لل “ستاتس كوو” أي الحال الجامد الذي كان موجودا في السابق ليس خيارا سليما للفلسطينيين (حيث أنه يسمح لإسرائيل المضي قدما في استملاكها الزاحف للأرض)، ما يجعلهم يفضلون استئناف المفاوضات بإشراف متعدد الأطراف، أما وفق قرارات الشرعية الدولية أو على أساس قيام إسرائيل بتنفيذ ما قامت في المفاوضات السابقة بالالتزام بتنفيذه.

في لغة الدبلوماسية، يفهم من الكلام أن القيادة الفلسطينية مستعدة لاستكمال المفاوضات على أسس جديدة، و هي مستعدة بالتالي للتعاطي إيجابيا مع محاولات الأطراف الدولية التي وقفت معها ضد الضم لإيجاد صيغة مقبولة لعمل ذلك.

في الأثناء أعلن قياديون مختلفون (و منهم اشتية نفسه) عن خطوات رادعة للضم أحادي الجانب، تراوحت بين سحب الاعتراف بإسرائيل الى الإعلان عن دولة، ومن المقاومة الشعبية السلمية الى المقاومة المسلحة، و أتى المؤتمر الصحفي الذي جمع الرجوب بالعاروري و البيان الموحد باسم القوى الوطنية و الإسلامية ليجسد التوأمة المحتملة لهذين الاسلوبين في المقاومة. في الأثناء أيضا برزت الأفكار التي تدعو المنظمة الى العودة عن أوسلو والى إعادة ترسيم جديد لمشروع وطني شامل.

لا أدري ان كانت أية من هذه الأفكار والتصريحات سوف تجد طريقا للتجسد على أرض الواقع لكن المأزق الفلسطيني باختصار يكمن في العجز على مواجهة الند بالند، أي على تحقيق إنجازات استراتيجية لنفسه على حساب الأخر. نحن نستطيع الرفض والمقاومة ولكننا لا نستطيع ضمن المعطيات إعادة لاجئ واحد الى دياره الأصلية.

في المقابل، تهدم إسرائيل البيوت، وتقتلع الأشجار، وتصادر الأرض، وتبني المستعمرات، وتتحكم في المصادر الطبيعية وفي الأجواء، وكل ذلك على حسابنا نحن، وأن أيضا مقابل تردي صورتها دوليا كدولة عنصرية لا تأبه للتشريعات الدولية. على المدى الطويل، قد يعزز هذا من تحويل طبيعة الصراع (التقسيم) الى صراع حول المساواة في النظام الواحد. لكن لو عدنا للمطروح أمامنا الآن (عودة للمفاوضات أو تأزيم الوضع بشكل أو أخر) فباعتقادي اننا سوف نتفاجأ ان نحن لم نأخذ سيناريو المفاوضات مأخذ الجد: العالم الذي وقف في وجه نتانياهو سوف يجد هنا فرصة مواتية للدفع باتجاه اقفال ملف الصراع نهائيا.

لا أعتقد أن ثمة أصدقاء بقوا لأوسلو وذلك على اعتبار أن أوسلو حرفت الطريق عن النضال القويم وأوصلتنا الى ما نحن فيه. وكذلك لن يكون هناك أصدقاء لاستكمال المفاوضات في المستقبل المنظور، والتي ان نجحت ستكون محصلتها دويلة تقع حدودها بين ما توصلت اليه المفاوضات سابقا وما يريده نتانياهو. لكن قد يكون من الاجحاف بحق أوسلو وبحق مفاوضات مستقبلية ان ألقينا العجز الفلسطيني على صناعهما! بمعنى أخر، ليس واضحا أن حال الفلسطينيين بدون أوسلو كان سوف يكون أفضل مما هو عليه الأن، أو سيكون أفضل من خلال تأزيم الأوضاع الأن من ما قد تقود اليه المفاوضات في المستقبل. فالعلة هي العجز (بمعنى عدم وجود القوة الكافية لإحداث انجاز استراتيجي على حساب الاخر)، مع التفاوض وبدونه.

قد يقال: من الأفضل في حالة العجز هذه أن تتنحى القيادة الرسمية وأبواقها الإعلامية والايديولوجية عن موقعها، فلا تقود الانتفاضات او المفاوضات، بل تترك الشعب بحاله، وتدعه في مواقعه المختلفة يتحكم بمصيره حسبما يجد ذلك مفيدا لصموده. على الأقل، مهما يحدث، لن يكون مقابل معاهدة رسمية تلزمه بشرعنة الغبن الذي لحق ويلحق به. لكنني لا أعرف قيادة مستعدة للتخلي عن موقعها من أجل شعبها! لذلك، أتوقع العودة الى المفاوضات بعد زوبعة او اثنتين.

السياسة الناعمة: نعم ولكن!

في مقاله الأخير (ملتقى فلسطين) يتطرق الأخ الدكتور إبراهيم فريحات للقوة الحقيقية التي يمتلكها الفلسطينيون والتي برأيه عليهم التمسك بها واستثمارها في مواجهتهم للصهيونية وهي تفوقهم الأخلاقي على خصمهم والتي سوف تكسبهم التأييد المتزايد دوليا وإقليميا لموقفهم. ولا أعتقد أن أيا منا يمكنه الاختلاف حول ذلك.
لكن الاختلاف قد يدور أولا حول “موقفهم”. ان كان هذا ما جرت تسميته ب “المشروع الوطني”، أي دولة “القمة العربية” الى جانب دولة اسرائيل، فحري بنا أن نواجه حقيقتين متلازمتين: الاولى أن الطريق لمثل هكذا دولة سوف تكون المفاوضات، والثانية هي أنه لن يمكن عمليا أن تقوم دولة الى جانب إسرائيل لا تقبل الأخيرة بمواصفاتها حدوديا وأمنيا. ما يعني عمليا أن هذه الدولة لن تتطابق مع صورتها كما قد توجد في المخيلة الفلسطينية أو الخطاب السياسي الفلسطيني (على حدود ال ٦٧, بدءا في القدس). وجميعنا على علم بما أثبتته التجربة التفاوضية المضنية الماضية، وذلك مع وجود الدعم الدولي والإقليمي لعملية التسوية. يقودنا هذا للاستنتاج انه فيما لو استؤنفت المفاوضات لإقامة دولة فسوف نجد أنفسنا ندور في نفس الدائرة التي كنا فيها سابقا، مع الفارق بأننا سوف نواجه حقائق كثيرة إضافية زرعتها إسرائيل في الأثناء.
قد تكون هكذا دولة بالرغم من ذلك ومن حيث المبدأ أمرا مرغوبا (عند القيادة مثلا)، أو أقل سوءا من استمرار الحال على ما هو عليه. نذكر هنا أن المفاوضات السابقة توقفت بسبب التفاصيل وليس حول المبدأ. نذكر أيضا أنها ومنذ أن توقفت فالقيادة عمليا وفي هذا المضمار توجد في مأزق ولا تفعل شيئا سوى الانتظار لمن يخلصها من الحال الذي هي فيه. دعنا الأن ننظر في هذا الحال: الدولة “النموذج” في الخطاب الفلسطيني هي دولة “القمة العربية”. وتطرح هذه أمام اسرائيل والمجتمع الدولي كشرط للسلام وتطبيع الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل. لكن الواضح أن هذا الشرط ليس مقبولا أصلا من الجانب الإسرائيلي. وأن المجتمع الدولي ليس على وشك فرضه فرضا على اسرائيل. ما يتبقى هو استمرار الحال الذي نحن عليه.
أتي الآن للأمر الثاني الذي يوجد اختلاف عليه وهو المبادرة الاماراتية ومعنى “السياسة الناعمة”: وهنا يمكن القول ان مبادرة دولة الامارات الأخيرة في السياق يمكن أن تشكل نموذجا مميزا لهذه السياسة! فهي تتجاوز شرط التطبيع (تمد يدها للسلام مسبقا) دون أن تتخلى في خطابها عن مطالبتها بدولة “القمة العربية” التي يطالب بها الفلسطينيون. فاذا كانت القيادة كما قلنا ترغب فعلا في الخروج من مأزقها والعودة الى المفاوضات، ليس هنالك ما هو “أنعم” من الاستناد الى مبادرة نالت تأييدا من اسرائيل والولايات المتحدة، واستثمارها كمنفذ لاختراق الجمود السياسي الذي توجد فيه. البديل لها، طبعا، هو أن تستمر تلك القيادة في الانتظار الى أجل غير مسمى لكي تنقلب الموازين الإقليمية والدولية وتأتيها دولة “القمة العربية” على طبق من فضة!
هذا من جهة. من جهة أخرى علينا أيضا أن نذكر أنه اذا كان “المشروع الوطني” في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات (كما في المخيلة وفي الخطاب) مشروعا مقبولا في أوساط وازنة في صفوف الشعب الفلسطيني، فقد أصبح هذا المشروع في الأثناء وبعد تجربة المفاوضات و تجربة الحكم الذاتي في غزة والضفة عير السنوات الماضية مشكوكا في أمره. ما أستنهض التفكير مرة أخرى لدى كثيرين في وحدانية الشعب وضرورة إيجاد الحل الذي يناسب هذه الوحدانية من جذورها. تسوية الدولتين المنظورة لا تعالج هذه الوحدانية بل ما يعالجها ببساطة هو تحقيق مشروعين متلازمين هما العودة والمساواة، قد يضاف اليهما ما يسمى بالحق الوطني لتقرير المصير. هنا نعود ثانية ل “السياسة الناعمة” والقوة الأخلاقية. أعتقد أن إعادة ترشيد الاستراتيجية الفلسطينية في هذا الاتجاه (ألنضال السلمي من أجل العودة والمساواة) سوف يكون أكثر جذبا في أوساط الشعوب إقليميا ودوليا من مشروع دولة السلطة التي نعرف. بطبيعة الحال، نكون نتكلم هنا عن نضال طويل الأمد، يتطلب توفر مجموعة شروط، منها استعمال السياسة الناعمة في الشارع الإسرائيلي نفسه لاستقطاب جماعات وازنة فيه لتحقيق نفس الهدف.
أعود للبدء: كأن القيادة في رام لله تركن في محطة أو موقف تنتظر من يخلصها منه. لا سبيل لها عمليا للخلاص الا عن طريق المفاوضات. من المتوقع أن وقوف المجتمع الإقليمي والدولي في وجه مخطط نتانياهو سوف ينتج عنه دفع أو ضغط متزايد لإعادة طرفي النزاع الى مائدة المفاوضات، وما المبادرة الاماراتية الا شكل من أشكال المشهد السياسي هذا الجديد. لكي نستقرئ نحن المستقبل الواقعي المنظور (بأي اتجاه سوف تسير عليه الأمور) علينا هنا الإجابة عن السؤال: من يمتلك إدارة شؤون الفلسطينيين؟

سري نسيبة