يعمل العرب والفلسطينيون وخاصة منذ العام67، على تنفيذ سياسة تستند إلى استراتيجية استرجاع الأراضي الفلسطينية للأيدي العربية، لكن استراتيجية استرجاع الأرض تتضمن ومن الناحية العملية، التوصل إلى تسوية عربية_إسرائيلية حول القضية الفلسطينية والتسوية تعني التنازل، فاسترجاع الأرض للأردن عن طريق 242 أو للفلسطينيين لإقامة دولتهم عن طريق المؤتمر الدولي، يعني من الناحية العملية اعترافاً بالكيان الصهيوني على التراب الفلسطيني، ومن الواضح، أن موازين القوى والصورة السياسية الراهنة تفرض وضعا يتطلب جهدا عربيا-فلسطينيا ضخماً مقابل مردود هزيل نسبيا ضمن استراتيجية الاسترجاع المذكورة. فلو وضع العرب كل جهدهم الممكن في المرحلة الراهنة فأنه لا يمكنهم التوصل إلى أكثر من تطبيق صيغة التقسيم ضمن الحدود الجغرافية التي وضع القرار 242 حدودها, أو ضمن الصيغة السياسية التي رسمت اتفاقية عمان شكلها. في مثل هذا الوضع، فأنه من الممكن طرح التساؤل الأتي: ما هو حجم الضرر الذي يمكن أن ينتج عن إتباع العرب لاستراتيجية معاكسة ومختلفة كليا عن تلك التي اتبعت منذ العام 67 تحديدا، وهي استراتيجية تستند إلى منطق “ الرجوع " بدل “ الاسترجاع " أو “ العودة " بدل “ الاستعادة “ متجاوزين بذلك ضرورة التنازل ضمن تسوية سياسية والاعتراف بإسرائيل كجزء من هذا التنازل ؟ فبدلا من مناشدة المجموعة الدولية بإرغام إسرائيل على إخلاء الأرض التي احتلت عام 67، أو مناشدتها بالاعتراف بان لدى الشعب الفلسطيني حقاً في إقامة دولة مستقلة، أو بضرورة عقد مؤتمر دولي من اجل إيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية – وصولا إلى استعادة جزء من الأرض المحتلة إلى الأيدي العربية مقابل الاعتراف – فما الضرر في أن تتجاهل الدول العربية خاصة في ظل هذه الظروف، الدعوة إلى التوصل إلى تسوية مع إسرائيل، وتكتفي في المرحلة الحالية وعلى مدى المستقبل المنظور أن تناشد المجموعة الدولية بإرغام إسرائيل على تحقيق بعض الحقوق الإنسانية الأساسية والتي يمكن تلخيصها بثلاثة محاور رئيسية هي:- 1.حق البقاء. 2. حق العودة. 3. حق المساواة. البقــاء
ويتضمن هذا البند ضماناً من المجموعة الدولية أن لا يتعرض الفلسطينيون الموجودون في ديارهم إلى الطرد أو التهجير، سواء أكان ذلك بأشكال مباشرة كالإرهاب من قبل مجموعات يهودية متطرفة أو رسمية، أم بأشكال غير مباشرة كمُصادرة الأرض ومنع سبل العيش الكريم.
العــودة
ويتضمن هذا البند ملاحقة المجموعة الدولية لإسرائيل كي تقوم بتطبيق قرار مجلس الأمن القاضي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين وفي هذا المجال، فانه بالامكان استعمال أفكار خلاقة واستثمار الأموال اللازمة وذلك من اجل إعادة تسكين اللاجئين العائدين في أماكن سكنهم الأصلية، بحيث تبنى لهم المشاريع السكنية في المناطق التي تم تهجيرهم منها وبحيث يتم توفير المشاريع الإقتصاديه لهم في نفس تلك المناطق كي يتمكنوا من العيش بمستويات حضارية مقبولة.
المسـاواة
وذلك بان تعمل المجموعة الدولية على إرغام إسرائيل بتبني كافة المواثيق والأعراف الدولية المتعلقة بكرامة الإنسان وبحقوقه الأساسية، وذلك عن طريق منح كافة السكان العرب في فلسطين حقوقا سياسية كاملة ومتساوية مع الحقوق التي يتمتع بها السكان اليهود، بما في ذلك النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي وحق المشاركة في صياغة القرار السياسي في الدولة. أن استراتيجية الرجوع، أو العودة هذه تتطلب صبراً قومياً ونفساً طويلاً ونضالاً جماهيريا مستمرا، كما وإنها تتطلب أيضا مؤازرة معنوية ومادية كاملة من العالم العربي الشقيق، بما فيها الدول التي تربطنا بها علاقات سكانية واقتصادية عميقة كالأردن. ومن المتوقع أن تحاول إسرائيل منع تطبيق هذه الحقوق الإنسانية الأساسية، إذ أن من شأنها أن تحول إسرائيل من دولة يهودية غير ديمقراطية أولاُ، إلى دولة ديمقراطية غير يهودية ثانياُ، إلى دولة فلسطينية ديمقراطية علمانية ثالثاُ وأخيراً، أخذاً بعين الاعتبار مجموعة حقائق سكانية، مثلا كوجود ما يقارب النصف من مجموع عدد سكان الشعب الفلسطيني على الأرض الفلسطينية أصلا، أكانوا يتمتعون بحقوق سياسية أم لا. أن تبنى " استراتيجية الرجوع “ بدلا من " استراتيجية الاسترجاع “ ليس من شأنها أن تفعل سحراُ ما بين يوم وليلة، لكنها استراتيجيه واقعية إن قسناها بما يمكن أن تحققها استراتيجية الاسترجاع في الوضع الراهن، وضمن المحاولة السافرة للولايات المتحدة بأن تهيمن على“ التسوية " بشكل يقوم معه التشطيب على “ الرقم الفلسطيني “، هذا الرقم الذي يمثل الآن الحدود الدنيا للتنازلات التي يمكن للشعب الفلسطيني تقديمها. وبالمقابل فان هنالك بعض المخاطر والسلبيات التي قد تنجم بالفعل عن تبني مثل هذه الاستراتيجية، كاستمرارية واستقلالية الهوية القومية العربية والوطنية الفلسطينية في ظل الهيمنة الإسرائيلية على مدى العشرين سنة المقبلة، إلا انه قد يكون ممكنا أن يعمل العرب في الداخل والخارج على تقليص الضرر للقدر الممكن، أخذاً بعين الاعتبار إمكانية إنشاء جبهة فلسطينية عريضة تضم الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 67 والفلسطينيين الموجودين داخل الخط الأخضر يمكنها أن تعمل على الحفاظ على الهوية الفلسطينية وعلى الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في كافة أرجاء الأراضي الفلسطينية بالسبل الديمقراطية وبدعم كافة الهيئات الدولية، التي تؤمن بالحريات الإنسانية والسياسية، كامتداد طبيعي للنضال الفلسطيني / العربي الذي تقوم به منظمة التحرير والدول العربية بالخارج، وذلك إلى أن تبدأ الصورة بالتغير، وتصبح استراتيجية " الاسترجاع " مغرية مرة أخرى، ضمن موازين قوى جديدة، يمكن ارتكازاً إليها أعادة تقييم الوضع. إن التمسك بثلاثة حقوق إنسانية بسيطة، هي حق العودة والبقاء والمساواة، والتي لا يستوجب التشبث بها أو العمل على تحقيقها تقديم تنازل قومي رسمي لإسرائيل، والتي يمكن الإصرار على تحقيقها كحل مرحلي، إلى أن تتغير الصورة ونستطيع الدخول في تسوية منصفة حقا _إن هذا التمسك من شأنه أن يبقي الطريق مفتوحاً لإقامة الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني من جهة، وأن يسد الطريق أمام تقديم التنازلات القومية مقابل مردود هزيل من جهة أخرى. |