جريدة القدس - 1 /4/1987
هل كان من الخطأ أن اجتمع مع بيريس؟
أتصل بي احد مستشاري وزير الخارجية وقال لي أن الوزير يريد مقابلتي برفقة بعض الزملاء، فسألته الأسئلة المعهودة: من هم الأشخاص المدعوون،
وما هو هدف اللقاء؟ قال لي: ثق بأن بيريس لا يهدف وراء هذا اللقاء تحقيق مكسب إعلامي رخيص. هو يريد أن يتباحث بجدية عن إمكانية تقديم عملية السلام.
ذهبت للاجتماع بعقلية الباحث الذي يسعى لتقييم الاقتراحات الجديدة، وبعقلية التاجر الذي يسعى لمعاينة البضاعة المعروضة، إذا كان لديه أي شيء جديد، فما هو هذا الشيء، وما هي قيمته؟ فكرت بسلبيات اللقاء، وعددتها، فوجدتها كثيرة، ومع ذلك, قلت في نفسي: قد لا تكون حساباتي دقيقة.فلعل شيئا يلوح فعلاً في الأفق. فذهبت للاجتماع. ولكنني فوجئت, واكتأبت. فوجئت من اجتماع بدا لي بيريس فيه وكأنه قد استنفذ كل شجاعته لعقد الجلسة معنا، فلم يتبق عنده القدرة لكي يطرح أي جديد بل وجدت بيريس شبه خائف من أن تتسرب من فمه ولو كلمة واحدة فيها شيء من المرونة. فاستغربت. من ذا الذي يجلس أمامي؟ هل هو إنسان حر ذو قرار؟ ومن الضعيف فينا؟ أنا الذي يرتهن وجودي بخلجة عصبية في دماغ هذا المسؤول الكبير؟ أم هو داخل مكتبه الوزاري الفخم وفي أحضان حاشيته وحراسه؟
من الضعيف فينا ؟ أنا الذي غامرت بالتجول على قارب الأمل بعيدا عن شواطئ قناعاتي، متجاوزا في عملي هذا مشورة عقلي ونصيحة أصدقائي، بحثا عن وميض الخلاص ؟ أم هو، الذي لا زال خائفاً من الاعتراف بالحق؟
قال بيريس، وكأنه يريد إن يؤكد لنا ان اجتماعه معنا لا يدل على أي تطوير في موقفه السياسي: عليكم باتفاقية كامب دافيد. وعليكم بمفاوضين من داخل الأرض المحتلة، عليكم بالحكم الذاتي وتطوير الصلاحيات.عليكم بمدخل التسوية الوظيفية المحلية كخطوة تسبق التسوية الإقليمية. قال أحد الزملاء، والتفاؤل أحادي الاتجاه يمنع الكلمات الكئيبة من التغلغل داخل أذنيه، قال: ولكن ماذا عن حق تقرير المصير؟ أجاب " داعية السلام":ماذا يعنيكم في هذا؟ أن جماعتكم المتطرفين في الخارج يتشبثون بالمصطلحات الفارغة. ما هو هذا حق تقرير المصير؟ إنها كلها مجرد كلمات.
لم تثن كآبة هذا الموقف زميلي عن اصراره. سأله: إن لم يكن حق تقرير المصير مناسباً لكم، فلماذا تقولون في الحق النسبي لتقرير المصير؟"الحق؟ الحق النسبي؟ كله كلام.الحق على جماعتكم الذين يفوتون الفرص دائما لتحقيق السلام". قال زميلي:" منظمة التحرير".أجاب بيريس: هذا نمر." ولكن قد يمكننا تقليم أظفاره. إجراء عملية تجميل. وقف الإرهاب. اعتراف…." اعتلت الابتسامة وجه بيريس:هاتوا لي نمرا قد تجمل فأصبح قطة، لأجيبكم ما إذا كانت القطة مقبولة لدي.
خرجت مكتئبا. لقد غامرت فتبللت. ولم أجد مبتغاي. نعم إن الأرجح أن أكون قد أخطأت. ومع ذلك فأن التساؤل لا زال يتصدى لأفكاري: هل أراد بيريس فقط أن يوقع بنا في مصيدة إعلامية، أم هل اعتبر الاجتماع بمثابة خطوة أولى نحو الاعتراف بمنظمة التحرير ؟ لا ادري. ولكن بعد انتظار دام عشرين عاما، فلا بأس أن ننتظر مزيدا من الوقت لنرى ما سوف تتمخض عنه المحاولات الدولية الجارية لإحلال السلام.